سورة الإسراء - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)}
أخرج ابن جرير عن حذيفة أنه قرأ {سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}.
وأخرج الطستي عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} قال: {سبحان} تنزيه الله تعالى {الذي أسرى} بمحمد صلى الله عليه وسلم {من المسجد الحرام} إلى بيت المقدس، ثم رده إلى المسجد الحرام. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
قلت له لما علا فخره *** سبحان من علقمة الفاجر
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من طريق ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه... فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن فقال جبريل: اخترت الفطرة. ثم عرج بنا إلى سماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بإبني الخالة، عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا، فرحّبا بي ودعوا إلي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بهارون، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بموسى، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها فيها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إلي ما أوحى وفرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب، خفف عن أمتي. فحط عني خمساً فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمساً، فقال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. قال: فلم أزل أرجع بين ربي وموسى حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات لكل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشراً، ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً، فإن عملها كتبت سيئة واحدة. فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه».
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن مردويه من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس قال: «ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم. فقال أحدهم: خذوا خيرهم. فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يرى قلبه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب محشواً إيماناً وحكمة فحشا به صدره ولغاديده- يعني عروق حلقه- ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب باباً من أبوابها فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحباً به وأهلاً. ووجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلم عليه ورد عليه آدم وقال: مرحباً وأهلاً بابني... نعم الإبن أنت. فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: ما هذان النهرين يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما. ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر. قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك.
ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبا به وأهلاً.
ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية.
ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى الخامسة فقالوا مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السابعة فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة ولم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى: رب لم أظن أن ترفع عليّ أحداً، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما يوحي إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلي، خمسين صلاة كل يوم وليلة. قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يستشيره فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه: يا رب، خفف عنا...؛ فإن أمتي لا تستطيع ذلك. فوضع عنه عشر صلوات. ثم رجع إلى موسى واحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا وتركوه، فأمتك أضعف أجساداً وقلوباً وأبداناً وأبصاراً وأسماعاً، فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك. يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: يا رب، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم، فخفف عنا. فقال الجبار: يا محمد، قال: لبيك وسعديك. قال: إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب، وكل حسنة بعشر أمثالها. فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك. فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها. فقال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك. فقال رسول الله


{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}
أخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} قال: للتي هي أصوب.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في الآية قال: إن القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب والخطايا، وأما دواؤكم فالاستغفار.
وأخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يتلو كثيراً {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين} خفيف.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {أن لهم أجراً كبيراً} قال: الجنة. وكل شيء في القرآن أجر كبير ورزق كبير ورزق كريم فهو الجنة.


{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} يعني قول الإنسان: اللهم إلعنه واغضب عليه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} قال: ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته، يغضب أحدهم فيدعو عليه، فيسب نفسه ويسب زوجته وماله وولده، فإن أعطاه الله ذلك شق عليه، فيمنعه ذلك، ثم يدعو بالخير فيعطيه.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد رضي الله عنه: في قوله: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} قال: ذلك دعاء الإنسان بالشر على ولده وعلى امرأته يعجل فيه، فيدعو عليه لا يحب أن يصيبه.
وأخرج أبو داود والبزار، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، لا تدعوا على أولادكم، لا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم».
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وكان الإنسان عجولاً} قال: ضجراً لا صبر له على سراء ولا ضراء.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن عساكر، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: أول ما خلق الله من آدم عليه السلام رأسه، فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال: يا رب، اعجل قبل الليل، فذلك قوله: {وكان الإنسان عجولاً}.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن مجاهد قال: لما خلق الله آدم خلق عينيه قبل بقية جسده، فقال: أي رب، أتم بقية خلقي قبل غيبوبة الشمس، فأنزل الله: {وكان الإنسان عجولاً}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8